تقع قبور السعديين بحي القصبة. انطلقت أشغال بنائها مع نهاية القرن 16 وبداية القرن 17 بتشييد قبة دفن بها أفراد العائلة الملكية السعدية خاصة لالة مسعودة، أم السلطان أحمد المنصور، وأبوه وأخوه. وقد شكلت هذه القبة النواة الأولى للمركب الذي تم توسيعه وزخرفته من طرف السلطانين عبد الله الغالب وأحمد المنصور الذهبي.
يتشكل الضريح من جناحين : يضم الأول مجموعة من الفضاءات التي تم بناؤها من طرف أحمد المنصور حيث دفن بها، وهي مكونة من ثلاث قاعات :
قاعة المحراب : وهي عبارة عن مسجد صغير مشكل من ثلاث أروقة ترتكز على أعمدة من الرخام. هذا المسجد يتوفر على محراب جميل ومزخرف بالمقرنصات.
قاعة الإثنا عشرة عمودا : دفن بها جثمان السلطان أحمد المنصور والسلاطين الثلاثة الذين تعاقبوا على الحكم من بعده. زينت هذه القبة بمزيج من الجبص والخشب المنقوشين والزليج والرخام، جسدت هذه الكتابات من خلال عناصر نباتية هندسية.
قاعة الكوات الثلاث : وهي مكسوة بزخارف أجمل من سابقاتها، وقد استعملت فيها نفس مواد وتقنيات الزخرفة التي تميز باقي الفضاءات.
تنتمي سقاية المواسين إلى مجمع يحمل اللإسم نفسه، يتكون هذا الأخير بالإضافة إلى هذه السقاية من مسجد، حمام، خزانة ومدرسة قرآنية.
تم تشييد هذا المركب بأمر من السلطان السعدي عبد الله الغالب ما بين 1562-1563 . تقع سقاية المواسين شمال قاعة الوضوء التابعة للمسجد، لها تصميم مستطيل، تحتوي على ثلاثة مداخل وثلاثة أحواض ماء وسقاية،اعتمد تصميمها نموذج سقاية علي بن يوسف المرابطي
مسجد الكتبية
يتوسط جامع الكتبية مدينة مراكش، بالقرب من ساحة جامع الفنا. وتسمية المسجد مشتقة من "الكتبيين"، وهو اسم سوق لبيع الكتب يعتقد أنه كان بمقربة من المساجد.
لقد بني جامع الكتبية الأول من طرف الخليفة عبد المومن بن علي الكومي سنة 1147م على أنقاض قصر الحجر المرابطي الذي كشفت التنقيبات الأثرية على بناياته ومكوناته المعمارية.
أما المسجد الثاني فقد تم بنائه في سنة 1158م، وهو يشبه من حيث الحجم البناية الأولى، وينتظم في قاعة للصلاة مستطيلة الشكل تضم سبعة عشر رواقا موجهة بشكل عمودي نحو القبلة، تحملها أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة تذكر بتلك التي نجدها بجامع القرويين بفاس. ويشكل التقاء رواق القبلة بقببه الخمسة والرواق المحوري تصميما وفيا لخاصيات العمارة الدينية الموحدية التي كان لها بالغ التأثير في مختلف أرجاء الغرب الإسلامي
مدرسة بن يوسف
تؤكد المصادر التاريخية أن النواة الأولى لهذه المدرسة تعود للفترة المرينية. وقد أعاد السلطان السعدي عبد الله الغالب بناءها بين سنتي 1564-1565. وتعتبر بحق من روائع المدارس المغربية.
تحظى مدرسة ابن يوسف بأهمية بالغة، نظرا لموقعها بساحة ابن يوسف، التي تحمل دلالة تاريخية كبيرة، فضلا عن كونها النواة الأصلية لمدينة مراكش.
لقد أعاد السعديون الحياة لهذا الحي ببنائهم للمدرسة ذات الشكل المربع بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 1680 مترا مربعا. وعلى امتداد أربعة قرون، كانت المؤسسة معقلا للعلماء ومقصدا للطلبة المتعطشين للمعرفة في مختلف العلوم، خاصة منها الدينية والفقهية. كما أنها تعكس روعة الفن السعدي.
بمدخل البناية، تسترعي انتباه الزائر قبة ذات مقرنصات مصنوعة من الجبس، تحمل نقيشتين. يتوسط المدرسة حوض وأروقة تعلوها غرف تتوزع على الطابق العلوي. أما قاعة الصلاة فهي مكونة من ثلاثة بلاطات عرضية يفصلها صفان من الأعمدة الرخامية. وتتوفر البلاطات الجانبية على خزانات خشبية، استعملت كمكتبات خاصة بطلبة المدرسة
ساحة جامع الفنا
تشكل ساحة جامع الفنا فضاءا شعبيا للفرجة والترفيه، وبناء على ذلك تعتبر القلب النابض لمدينة مراكش حيث كانت وما زالت نقطة إلتقاء بين المدينة والقصبة المخزنية والملاح، ومحجا للزوار من كل أنحاء العالم للإستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي الأفاعي ورواة الأحاجي والقصص، والموسيقيين الى غير ذلك من مظاهر الفرجة الشعبية التي تختزل تراثا غنيا وفريدا كان من وراء ترتيب هذه الساحة تراثا شفويا إنسانيا من طرف منظمة اليونيسكو سنة 1997
شكلت ساحة جامع الفناء الواقعة وسط مراكش على مر العصور مادة ملهمة للشعراء والأدباء والمؤرخين والمبدعين من خلال بعدها الثقافي الرمزي،فضلا عن كونها تشكل فهرسا عريضا لمختلف التراث الشفوي والفلكلوري ،و فضاء عجائبي يختلط فيه الخيال والواقع وتتجلى أهمية هذا الفضاء في كون الساحة لم توجد بقرار من حاكم ولم يهندسها مهندس معماري بل هي ساحة عفوية تجد فيها كل أنواع الفرجة.
وتختلف الآراء حول تسمية الساحة فهناك من يقول بان ساحة الفناء تعني فناء المسجد ،وآخر يتحدث عن مكان لقطع رؤوس الخارجين عن القانون وتعليقها،وهناك من يزعم أن الفناء ترخيم لكلمة فنار أي المصباح.
وإضافة إلى كون ساحة جامع الفناء تراثا شعبيا شفويا فهي تؤدي وظيفة تجارية بامتياز ،لكن أهم ميزة انفردت بها هي ضمان استمراريتها وبقائها منذ نشأتها حيث تعددت وتطورت وظائفها على مدى العصور حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها مدينة مراكش،ففي عهد الدولة المرابطية كانت لها وظيفة عسكرية وإدارية ،تم أصبحت فيما بعد في عهد الموحدين فضاء للتجارة الموسمية ومكان لمبيت القوافل الصحراوية ،ومع توالي الأيام ظهرت أنشطة الترفيه والفرجة لزوار الساحة لملئ أوقات فراغهم.
وقد تعاقبت على ساحة جامع الفناء وجوه كثيرة عبر تاريخها الطويل فمنهم من استمر لون فرجته عبر ممارسين جدد ومنهم من انقرض فنه بذهابه وهو الهاجس الذي شغل بال جمعية شيوخ الحلقة التي تأسست مع بداية هذا القرن والتي تسعى إلى تنظيم الساحة والانفتاح على كل الممارسين لهذا الصنف من الحرف بغض النظر عن نوع الفرجة التي يقدمونها وذلك من اجل ضمان استمرار هذا التراث من خلال تدريب هواة جدد ودعمهم.
وتجدد الساحة كل يوم روادها،أما المدمنون عليها فلايبارحونها بل زيارتها مرة واحدة قد تكون جرعة كافية للتعلق بها ومعاودة الزيارة ،فمشهد جامع الفناء يتكرر يوميا لكنه يختلف من يوم لآخر هذا الإحساس جعل احد الكتاب العالميين "خوان غويتوصولو" يسلط الضوء على هذه الساحة المتميزة وناضل من اجل جعلها تراثا شفهيا للإنسانية بحيث يعتبر المهندس الحقيقي وراء عمل منظمة اليونسكو على منح الساحة صفة العالمية،ففي هذه الساحة الساحرة يمكنك أن تلاحظ تباين الحلقات وصانعي الفرجة واختلاف الألوان والأشياء،فزيارتك لمراكش دون التجوال في أرجاء ساحة جامع الفناء الجذابة بحركيتها يفقدك الكثير من متعة السياحة بمراكش ويبعدك إلى النفاذ لعمق المدينة النابض الذي يجمع بين عمق التاريخ والانفتاح على العصر من خلال تلا قح الأجناس والثقافات،فهذه الساحة تحتل موقعا سياحيا بامتياز يمكن تصنيفه في خانة السياحة التقافيةبالنظر لعدد الرحلات السياحية التي تتوافد عليها حيت يتقاطر عليها السياح من جميع أنحاء العالم.
وفي نفس السياق تضم الساحة أزيد من500 شخص يمارسون مختلف الأنشطة يمارسون مختلف الأنشطة سواء كانت فلكلورية أو كوميدية اوحلقة الرواة والحكواتيين دون الحديث عن ممتهني بعض الحرف الهامشية،فالفرجة متوفرة في الساحة(الطرب،الغناء،الكوميديا،مروضو القردة والأفاعي،الألعاب السحرية والبهلوانية)كأولاد سيدي احماداوموسى دفين دوار تازروالت نواحي تزنيت،فاغلب الرواة والحكواتيين يستمدون قصصهم عن طريق الرواية الشفهية ذلك أن الموهبة لا تكفي لوحدها إن لم تصقل بالزاد المعرفي والخبرة التي تعمل على تطوير تقنية الحكي لشد زوار ساحة جامع الفناء،ومع ذلك لازال هؤلاء الرواة يخوضون صراعا يوميا من اجل بناء معمار الحلقة لسرد الحكايات والقصص المتوارثة عن سابقيهم،بل يبدعون أحيانا في نسجها من خيال مدهش مؤسسين خطابا عجائبيا محاولة منهم شد انتباه المتفرجين كحال محمد باريس الذي لم يعد يشتغل بصفة مستمرة لقلة المهتمين بحكيه،ومن الصعب جدا أن يتم تعويض متمرسين في فن الحكي وسرد السير خصوصا في عصرنا الحالي وتعويضهم ببديل متحمس للعطاء والإبداع.
جميلة هي الحياة لما تمنح الدفء والسبل العطاء والإبداع،لكن تبدو ضبابية أمام قلة ذات اليد، فكم من أشخاص انسحبوا من الساحة لصعوبة حصولهم على دخل يوفر لهم القوت اليومي ويضمن استمراريتهم واستمرارية ما يقدمونه من فن ،ففي أواخر التسعينات بدا الاهتمام ينصب على الساحة وصانعي الفرجة حيث تأسست جمعيتان الأولى تطلق على نفسها جمعية أصدقاء جامع الفناء وتضم نخبة من المثقفين ،والثانية تسمى جمعية شيوخ الحلقة وإحياء التراث والتي تتشكل من الممارسين الحلايقيةهدفهما المحافظة على تراث الساحة،فمنذ إعلان ساحة جامع الفناء تراث شفوي إنساني ف8مارس2002 بدأت السلطات المنتخبة التنسيق مع جمعية شيوخ الحلقة من اجل إيجاد طريقة لمنح الحلايقية بعض المساعدات ،غير أن الفكرة ظلت مشروعا يراود صانعي الفرجة فهؤلاء لا يعيشون حياة مرحة فالخوف من المستقبل هو القاسم المشترك بين الشباب الذي اقتحم عالم الحلقة،إبداعاتهم تخفي ورائها مصيرا مجهولا كالوضع الذي آل إليه احد رموز الحلقة سي الشرقاوي المعروف ب"مول الحمام" والذي مارس أزيد من60 سنة وكانت حلقته تشد انتباه الكل حيت وافته المنية مؤخرا بعد أن كان يقاوم المرض والعجز والفقر.
وقبل غروب الشمس بقليل تبدأ الملامح النهارية للساحة تتغير حيت يدخلها ممارسون جدد ليسوا بحلايقية وإنما أصحاب مأكولات وما أن تغيب الشمس حتى تتحول الساحة ربما إلى اكبر مطعم بالهواء الطلق في العالم ،فأكثر من نصف الساحة تشغلها هذه المطاعم المتنقلة التي أصبحت اليوم تاخد حيزا كبيرا من الساحة لينسحب من لا يجد مكان لإقامة حلقته من صانعي الفرجة الوضع الذي يقلق المهتمين بالساحة من جمعيات وأدباء وباحثين وشعراء وفنانين حتى لا يندثر هذا التراث الشفوي.
ساحة جامع الفناء ستظل مظهرا جوهريا من مظاهر التراث الشفوي الإنساني وتصنيفها كتراث شفوي للإنسانية هو تتويج لها لحضورها الثقافي والحضاري عبر امتداد عميق في التاريخ جسد قيم التعايش بين الثقافات ،كما أن اختيار الساحة ومنحها صفة العالمية هو تكريم للذين صنعوا الفرجة فيها عبر العصور