حين كان المسلمون يستعدون لخوض معركة مع بعض أعدائهم، حثت أمٌّ مسلمةٌ ابنها الشاب على الإسراع
إلى مشاركة إخوانه المسلمين في المعركة، ودفعت إليه سيفاً قصيراًً، فقال: إنه قصير! فقالت: تقدم خطوة فيطول !
بعض الزوجات يشتكين قلة الرصيد العاطفي لدى أزواجهن والذي لا يكفي حاجتهن، وفي ظني أنه بدلاً من التحسر
والضيق، الذي قد تتسع مساحته في حياتها يوما بعد آخر، لو أنها خطت خطوة إيجابية، واستشعرت كأن حياتها مع زوجها
قد بدأت الآن، واتخذت أسلوباً عاطفياً في التعامل مع زوجها، يتمثل في لغتها (اللفظية) معه؛ حين حديثها وحين
قدومه وحين وداعه.. وفي لغتها (الجسدية)، فأطلقت عقال الابتسامة، وتركتها تتحرك بحرية كاملة، وتملأ المكان بجمالها
وصادرت من فمها الكلمات المنطوية على (اللوم)، والمشعرة بالضيق، وأوقفت (مسلسل) التأنيب الذي يؤثر فيها
ربما أكثر مما يؤثر في زوجها، واستشعرت أنها قادرة على تغيير زوجها.. لو فعلت ذلك ففي ظني أن شمس العاطفة
ستبدأ بالإشراق من جهة زوجها، الذي سيبادلها عاطفة بعاطفة، وكلمة بكلمة.. وإن استأخر الأمر بعض الوقت
وإن تطلّب الأمر تدرجاً، وعليها بالصبر ما دام التحسن مطرداً. أرجو ألا تقولي: إنني فعلت وفعلت، وقد تكونين كذلك
فما أعرفه من نفوسنا كبشرٍ أننا قد نفعل أشياء كثيرة إيجابية رائعة، لكن يفسدها علينا أمران:
الأول: أننا نفعلها ونحن ربما غير مقتنعين - القناعة التامة على الأقل- أنها ستلين من (صلابة) موقف صاحبنا
أو شريكنا أو (تغيّر) من وضعه.. وكم أضحك بألم وأنا أقترح جملة من الأمور على زوجة تعاني مثل هذه المشكلة
أو غيرها مع زوجها، فتقول لي - بنبرة حزينة-: (إيه.. أشوف) أو (رايحه أجرب)!! وكأنها وهي تعمل تلك الأمور
سيمازج فعلها شك ربما (كبير) بإمكانية نجاح تلك الأمور في (حل) المشكلة، وانفراج (الأزمة)، ومن ثم ستكون
تأديتها لتلك (المقترحات) تأدية (صورية) خالية من الطعم، بل ومن الحياة!
الثاني: استعجال النتيجة، فالزوجة قد تمارس أموراً إيجابية، اقترحها وأشار بها عليها، من قُدّرَ لها أن تستشيره..
لكنها ما إن يمضي أسبوع أو أسبوعان دون أن ترى (بوادر) إيجابية من الزوج حتى تثور (ثورة) عنيفة، تمسح فيها
دون قصد ـ كلَّ أثرٍ يمكن أن يكون تركه ذلك التعامل في نفس الزوج وحقيقة الوضع أن الحياة الزوجية حين تكون (مشوبة)
ببعض المشكلات أو الخلافات، ثم يرى الزوج من زوجته أحياناً سلوكاً إيجابياً فقد يفسر هذا السلوك على أن الزوجة
تريد من خلاله التوصل إلى أمر ما من الزوج، وضمان موافقته، وهو يظل منتظراً أن تطلب منه ذلك الأمر!!
ولذلك فقد (تفلت) من لسانه، حين تعلن زوجته الثورة، كلمة: (قايل والله.. شغلك ما هو لله).!!
إن المشكلة ليست فيمن عاش في بيئة لم تمنحه القدرة على التعبير عن حبه، أو فيها قدر من الجفاف العاطفي
مادام هذا الزوج (محباً وفياً)، وإن بدا (صحراوي) المشاعر.. لكن المشكلة (الكبرى) ـ فيما يتصل بهذا الجانب
ما سمعته من أكثر من زوجة عن زوجها، من أنه مع قلة (مقامه) في البيت إلا أنه يبدو فيه صامتاً ـ كما عبرت إحداهن
كأبي الهول!، وكأنه في مسابقة للصمت، وحين تبدي زوجته انزعاجها يعتذر بأن هذا (طبعه)!.. ثم تفاجأ بكلمات غزل
(غير عادية) ورسائل جوال يبدو معهما بصورة (العاشق الولهان)، ولكن مع امرأة هجمت عليه أو هجم عليها، واتخذ من تلك اللغة
الغزلية (سنارة)!! وحين قبضت عليه زوجته بالجرم (المشهود) و(المسموع)، بدا كما لو كان يمص ليمونة، ليقول لها: (أصلك نكدية)!!
أختي الكريمة: إن أصحاب البرمجة اللغوية العصبية يقولون: إننا نحكم على العالم من حولنا عبر (أحد) ثلاثة مسارات
الصور، والأصوات، والأحاسيس.. ويرى بعض أولئك أن المشكلات الزوجية ترجع أحياناً إلى كون الزوج (سمعياَ)، والزوجة
(بصرية)، أو العكس، فالزوج البصري يؤكد على جمال البيت، ويحضر الهدايا الجميلة، ولكن الزوجة السمعية لا تمثل لها
هذه الأشياء أهمية، وتظل تقول: (عمري ما سمعت منك كلمة طيبة)!!.. وحين يكون العكس، فإن الزوج السمعي يظل
يتحدث ويمدح ويتغزل، ولكن الزوجة البصرية تعدّ ذلك لوناً من الثرثرة، وتظل تردد: (عمري ما (رأيت) منك شيئا يسر)!
وحين ينتبه الزوجان ـ حسب أخصائي البرمجة اللغوية العصبية ـ لمثل هذه الاختلافات فإن الخلافات الزوجية قد تضيق جداً إن لم تُحَلّ.
إن العاطفة (بلسم) الحياة الزوجية.. والعاطفة الزوجية قد تنسحب على الأبناء؛ فتبدو في أخلاقهم الرقة، وينطبع سلوكهم بالجمال..
لكن الرؤية (المثالية) للعلاقة العاطفية قد تكون لها سلبياتها؛ إذ تظل الزوجة تريد من الزوج أن يكون إنساناً (آلياً) مبرمجاً
على (عدم) الغضب، وألا تندّ من فمه كلمة فيها ولو قدر من المرارة، فضلاً أن يصدر منه سلوك تحس معه الزوجة بالانزعاج
ولو بادر بالاعتذار.. وربما كانت الزوجة (حساسة) فأصبحت رؤيتها (ملونة) بعدسة نفسيتها، فهي تصر على أنه غاضب
وتطلب منه تفسير غضبه، ولو لم يكن كذلك!! وهي التي تحس بمرارة الكلمة، ولو كانت ظاهرة (الحلاوة)
إذ تعطيها بعداً آخر كالسخرية، أو تنظر إلى السلوك على أنه مزعج، ولو كان سلوكاً عادياً، لأنها متوترة مثلاً..
وهذه النظرة (الحالمة) تجعل الزوج يرى في حساسية الزوجة أمراً لا حدّ لإزعاجه؛ وسواء أكانت الزوجة ـ في تصورها للعاطفة
الزوجية ـ متأثرة بالطرح الإعلامي (المثالي الحالم) للعلاقات الزوجية، أو أنها حساسة بطبعها فهو يؤدي للنتيجة نفسها.
وأخيراً فإن الحكمة القديمة تقول: يحب الرجل فلا يستطيع أن يكتم يوماً، ويكره فيكتم سنة، وتكره المرأة فلا تستطيع
أن تصبر يوماً، وتحب فتكتم سنة!!! وإذا كانت هذه الحكمة صحيحة ـ وأخالها كذلك ـ فإن الحب موجود، والحب
(روح) العاطفة، والتعامل الراقي يمثل (الجسد) لتلك الروح، وما دامت الروح (حية) فربما لم يحتج الأمر سوى إزالة (الرماد)
الذي يمكن أن يكون قد تراكم حولها، والنفخ في (جمرة) العاطفة ليشتعل (لهبها)!!
د. عبد العزيز بن عبد الله بن صالح المقبل