جميل بن معمر.
هو جميل بن عبد الله بن معمر ويكنى أبو عمرو ، ينسب إلى معد وهي قبيلة مضرية قرشية ، وفي ذلك يقول :
أنا جميلٌ في السَّنامِ من معدّ في الذروة العلياء والركن الأشد.
لم تجمع المصادر على السنة التي ولد فيها جميل ولكنها ترجح أنها كانت في أواخر ولاية عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأنه توفي في مصر سنة 82هـ.
وقد نشأ جميل في قبيلة عذرة ، بوادي القُرى بين الشام والحجاز ، في ظل أسرة ميسورة الحال ، وإن كانت الروايات لم تجمع
على مهنة والده ، فقيل إنه كان عزيزا مهابا في قومه ، وفي رواية أخرى أن والده كان فقيرا معدوما ، وأمه لم تتحدث المصادر
عنها سوى أنها من قبيلة جُذام. ومهما يكن فالشاعر نشأ على عزة النفس والشجاعة والكرم ، والقتال . وفي هذا يقول :
يحب الغواني البيض ظل لوائنا إذا ما أتانا الصــارخ المتلهف
نسيرُ أمام الناس والناسُ خلفنا فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
إذا استبق الأقوام مجدنا وجدتنا لنا مُعرفا مجدٍ وللناس مـعرف
شاعريته : مال جميل إلى الشعر في صباه ، وهو ينتمي إلى مدرسة شعرية عريقة تمتد إلى زهير بن أبي سلمى ، فهو كان راوية
هدبة بن خشرم ، وهدبة كان راوية الحطيئة ، والحطيئة راوية زهير ،ورغم انتمائه إلى هذه المدرسة الشعرية القائمة على
رأس المحبرين الحوليين ‘ إلا أنه كان مطبوعا على الشعر يشهد له الكثير من الشعراء ، ولا نبالغ إذا قلنا أنه كان أشعر بني عذره أو
شعر شعراء هذا اللون الشعري ، حتى قيل أنه اشعر أهل الإسلام ، وبذلك قال عنه راوية شعره كثير " إنه وطأ لنا النسيب" .
قصة حبه: تشبب بداية قوله النسيب بأم الجسير أخت بثينة ، وهما من قبيلته وينتميان في النسب لبني الأحبّ، حتى
أن بعض الدارسين من جعلها ابنة عمه ، نشآ معا وهما صغار، وتعود قصة حبه وعشقه لبثينة إلى روايتين : الأولى: أنه أقبل ذات
يوم بإبله حتى أوردها واديا يقال له ( بغيض) فاضطجع وأرسل إبله مُصعدة ، وأهل بثينة بذنب الوادي
فأقبلت بثينة وجارة لها واردتين الماء فمرتا على فصال بروك ، فعرمتهن ( نهرتهن) وهي ما زالت جويرية صغيرة ، فسبها جميل ، فافترت عليه ، فملح
إليه سبابها ، فقال في ذلك :
وأولُ ما قادَ المــــحبة بيننا بوادي بغيضٍ يا بثين سِبابُ
وقلنا لها قولا فجاءت بمثله لكل كــلام يا بثينَ جواب.
والرواية الثانية : أن جميلا خرج يوم العيد والنساء تتزين ، فوقف على بثينة وأختها أم الجسير في نساء من بني الأحب ، فرأى منهن منظرا وأعجبنه وعشق بثينة وقعد معهن، وفي ذلك يقول :
عَجِلَ الفراقُ وليته لم يَعجَلِ وجرتْ بوادرُ دَمعِكَ المُتهلل.
ثم تطورت العلاقة بينه وبينها حتى اشتهرت بين الناس ، وتكللت بلقاءات متكررة ، ساهم في عقدها شعراء مثله وأصحاب منهم الأحوص وعمر بن أبي ربيعه وغيرهما ، وأحيانا يأتيها متنكرا ، وظلت اللقاءات حتى تقدم لخطبتها ، فأبى أبوها تزويجها منه ، ثم تزوجت من سواه ، ولم ينقطع عنها وكان يزورها في بيت زوجها خفية حتى أهدر والي تيماء مروان الحضرمي دمه وفي ذلك يقول:
أتاني عن مروان بالغيب أنه مُقِيدٌ دمي أو قاطع من لسانيا
ففي العيسِ منجاةٌ وفي الأرض مذهبٌ إذا نحن رفّعنا لهن المثانيا
فسافر إلى اليمن ، وانقطع عنها فترة حتى عزل مروان فعاد إلى بلده
ثم أدرك جميل أن هذا الحب يسبب له المتاعب فارتحل إلى مصر حيث عبد العزيز بن مروان واليا عليها فأكرمه وأعز مقامه وبقي فيها ، وحين حضرت جميل الوفاة دعا رجلا وقال له : كل شي هنا لك إلا هذه الحلة فحين أموت البسها واذهب بناقتي لقوم بثينة ، وإذا وصلت أشققها ثم أعلُ على شرف وصح بهذه الأبيات وهي أبيات رثى الشاعر نفسه : صدع النعي وما كنى بجميل وثوى بمصرَ ثواءَ غيرِ قَفُولِ
قومي بثينة فأندبي بعـــويل وأبكي خليلكِ دون كلِ خلـيلِ
فلما أتى الرجل وانشد الأبيات قالت بثينة : يا هذا إن كنت صادقا قتلتني ، وإن كنت كاذبا فضحتني ، وفقال ما أنا إلا صادق وأراها الحلة ، فصاحت وسقطت مغشيا عليها ، وبعد أن فاقت أنشدت:
وإن سلوي عن جميل لساعة من الدهر ما حانت وما حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر إذا متَّ بأساء الحياة ولينــــها
وكانت وفاته سنة 82هـ ،وبقيت على هذا الحال فترة ليست طويلة فلحقت به
وعشيقته بثينة فلم تذكر عنها المصادر الكثير غير أنها ابنة حبأ بن ثعلبة بن عمرو بن الأحبّ بن حي بن ربيعة ، وأما أوصافها فوثقتها المصادر من شعر جميل ، وهي أوصاف تقليدية تكاد تكون مشتركة بين جميع النساء ، وتكاد تكون اقرب إلى النموذج الذي درج الشعراء العرب على وصفه منذ عنيزة امرئ القيس مرورا بعبلة وعفراء وليلى وعزة وبثينة إلى اليوم ، ومن أوصافها يقول جميل :
ترى الزُّل يلعنَّ الرياحَ إذا جرت وبثنةُ إن هبّت لها الريحُ تفرحُ
فقد كانت عجزاء ترتاح إلى اشتداد الرياح في حين أن خفيفات الأعجاز ينزعجن .ومن أوصافها كما جاء على لسان جميل أنها جميلة الوجه ضخمة العجز :
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً تمت فليس يُرى في خلقها أود
وهي أيضا منعمة مترفة ، يقول جميل :
يكاد فضيض الماء يخدش جِلدها إذا اغتسلت في الماء من رقة الجلد
هذا البيت أيضا قاله قيس بن ذريح في عفراء . وهي أيضا جميلة تفضح بنات جنسها ، يقول :
هي البدر حُسنا والنساء كواكبٌ وشتانَ ما بين الكواكبِ والبدرِ
ومن أوصافها عذبة الريق ، يقول جميل:
فلو تفلت في البحر والبحر مالح لعاد أجاج البحر من ريقها عَذبا
هذه الصفة يحبها الشعراء ، فقد قال في معنى هذا البيت كل من قيس بن ذريح وعباس بن الأحنف . وفي مجمل وصفه لها يقول :
فالجسم من لؤلؤٍ والشَّعرُ من ظُلمٍ والنشر من مسكةٍ والوجه من نور
.
زواج بثينة وعشقه الحُجنة تقدم جميل لخطبة بثينة ، وعلى عادة العرب كانت ترفض من يتشبب بابنتهم ، فرفضوا وزوجوها من نُبيه ابن عمها ، وكان ذميما قبيحا ، في عينه نكتة بياض ، ورغم ذلك بقي يزورها في بيت زوجها مرارا ، وحدث أن حصل جفاء بينها وبين جميل فوصلت وأحبت شخصا آخر هو حُجنة الهلالي ، فتمكن منه اليأس وهاجر إلى مصر وتركها ، ومع مرور الأيام عادها الصبا والشوق ولوعة العشق لجميل من جديد ، هذا الحب الذي فضلت عليه ليس حجنة فقط بل وعمر بن أبي ربيعة الذي سخرت منه وواجهته باللذع الأليم ليكتشف أنه أضعف من أن يخلف جميلا في قلبها الحصين ، ومما قالت " اربط الحمار مع الفرس ، فإن لم يتعلم من جريه تعلم من خُلقه"
مختارات من شعره:
هذه أبيات قصيدة قالها جميل متحسرا وراغبا بعودة الصبابة والعشق والوصال لبثينة ، يقول :
ألا ليت رعيان الشباب جديد ودهرا تولى يا بثينَ يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتم قريبٌ وإذا ما تبذُلين زهيد
إذا قلت: ما بي يا بثينةُ قاتلي من الحب ، قالت : ثابت ، ويزيد
وإن قلت ردي بعضَ عقلي أعش به تولت وقالت : ذاك منك بعيد
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالبا ولا حُبُهَا فيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني إذا ما لقِيتُها ويحيا إذا فارقتُها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهُن أريد
لكل حديث بينهن بشاشةٌ وكلُ قتيل عنهدن شهيد
ومن قصيدة قالها بعد جفا منها :
رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغُر من أنيابها بالقوادح
رمتني بسهم ريشُه الكحلُ لو يضر ظواهرَ جلدي فهو في الجلد جارحي
أبوءُ بذنبي إنني قد ظلمتُها وأني بباقي سِرهَا غيرُ بائح
وفي وصفها يقول:
خليلي عوجا اليوم حتى تُسلما على عَذبة الأنياب طَيبةِ النشر
وبوحا بذكري عند بثنةَ وانظرا أترتاح يوما أم تهشُ إلى ذكري
يقولون : مسحورٌ يُجَنَّ بذكرها وأقسم ما بي من جنون ولا سحرا
وأقسم لا أنساك ما ذرَّ شارقٌ وما هبَّ آلٌ في مُلمَّعَةٍ قفرِ
وما لاح نجم في السماء معلق وما أورق الأغصان من فنن السدر
فلا أُنعمت بعدي ولا عشت بعدها ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر
ومنه قوله:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
ألا لا أرى اثنين أحسن شيمة على حدثان الدهر مني ومن جُمل
فإذا وُجدتْ نعلٌ بأرض مُضلةٍ من الأرض يوما فأعلمي أنها نعلي
جميل بثينة
اتمنى ان ينال اعجابكم
ودي وتقديري